سؤالٌ قد يتبادَرُ إلى أذهان طلاب اللغة العربية، من غير العرب. والذي يثير هذا التساؤلَ ما يرونه اليوم ـ مع السف ـ من تخلّفِ الأمةِ الإسلامية عن رکب المدنية، وتقدّمِ أعدائها في هذا المضمار، وقد يثير هذا التساؤلَ أيضا عدمُ اهتمام العرب أنفسهم بلغتهم و سيطرة اللهجات العامية في التخاطب.
وهناك دون شك دافع آخر لهذا التساؤل وهو الحالةُ النفسيةُ التي خَلَقَتها العصبياتُ العنصرية والقومية بين المسلمين ، لأنه حين ارتفعت نعراتُ هذه العصبياتِ راحت کلُّ قومية في العالم الإسلامي تَستَهين بالقوميات الأخرى و تتعصّب ضدَّها ، فقامت الحواجزُ النفسية ُ بين أبناء الأمة، و کان ذلك مما أضعفَ الروح الإسلامية و مزّقَ العالمَ الإسلامي و أذهبَ ريحَ المسلمين. و في هذه الضجةِ المفتعَلَةِ من العصبياتِ خَسِرت کلُّ اللغاتِ الإسلاميةِ عاملاً هاماً من عوامل تطوّرها وهو عامل التفاعل فيما بينها، واتّجهت هذه اللغات إلى سدِّ فراغِها بعناصِرَ أجنبيةٍ بعيدةٍ عن طبيعتها، مستمدّةٍ من اللغات الأوربية.
وکانت خسارة ُ اللغةِ العربية أشدَّ ، لأنّها تحولت إلى لغةٍ قومية بعد أن کانت لغةً إسلامية عالمية . وسعى الساعون إلى تجريدِ اللغاتِ الإسلامية من تعابير العربية وکلماتها بل حتى من حروفها، و توجيه مختلف التهم إليها.
وهکذا انعزلت اللغةُ العربيةُ في العالم الإسلامي وأصبح الطالبُ لا يُقبِلُ على فَرع ِ اللغةِ العربيةِ ـ غالباً ـ إلّا مضطراً.
من هنا لابدّ أولا من توضيح أسباب دراستنا للغة العربية وآدابها لکي تنفتح أمام الطالب الآفاق الحقيقية لهذه اللغة ، وليکون ـ بإذن اللّه ـ أکثرَ عزما واهتماما بفرعه الدراسي ، وليتوجه الوجهة المثمرة البنّاءة التي تؤهّله لحمل رسالته في الحياة.
1ـ اللغة العربية هي لغة الدين الإسلامي
لايمکن لمسلم إلّا أن يتعلّم شيئا من العربية ليؤدي صلاتَه، ثم کلما أراد أن يزداد معرفة بأمور دينه لابّد أن يزداد معرفة باللغة العربية، فالقرآن والحديث والأذکار بالعربية، والعلوم الإسلامية أکثرُها مدونة باللغة العربية. وإذا کانت اللغات الفارسية والترکية والأُردية هي لغات إسلامية قومية، فاللغة العربية هي اللغة الإسلامية العالمية. و کلما قويت الروحُ الدينةُ بينَ المسلمين قَوِيَ الإحساسُ بالحاجة إلى اللُّغَةِ العربية.
و قراءةُ الترجمةِ غيرُ قراءة النصّ الأصلي، لأن الترجمةَ ـ غالبا ـ تخلو من جمال بيان النصّ المترجَم. واستشعار جمال البيان لها تأثير في فهم النصّ. فكل مسلم عادة يتكلم يوميا باللغة العربية أكثر من ساعة عبر تكلّمه مع ربه و هو الصلوات الخمس و تكلّم ربّه معه وهو تلاوة كتاب الله فيا ليته أن يتعلم العربية حتى يتمتع أكثر بهذا التحدث المبارك.
2ـ اللغةُ العربيةُ هي لغة تراث الأمة الإسلامية الخالد
العلماء المسلمون على اختلاف انتماءاتهم القومية کانوا ولا يزالون يکتبون باللغة العربية. علماء الطب والهندسة والفَلَكِ والرياضيات والکيمياء وهکذا علماء التفسير والفقه والحديث والتاريخ والجغرافيا والفلسفة والعرفان دوّنوا على مرّ العصور أکثر کتبهم بالعربيةِ. وإذا انقطعنا عن اللغة العربية فقد انسَلَخنا عن ماضينا الثقافي والحضاري وعن الجهود الجبارة التي بذلها علماء أمتنا على مرّ التاريخ في سبيل المعارف الإسلامية والإنسانية.
3ـ اللغة العربية مکمّلة للغات الإسلامية
لايخفي على الطالب مقدار ما دخل اللغات الإسلامية من کلمات ومصطلحات وتعابير عربية، حتى لم يعد بإمکانِ دارس أي أدب من آداب العالم الاسلامي أن يتخلّى عن دراسة اللغة العربية. وعلى مرّ التاريخ وحتى يومنا هذا کان الأدباء المسلمون غير العرب من شعراء وکتّاب على علم باللغة العربية و آدابها، بل و کثير منهم قدّم نتاجا في الأدب العربي إلى جانب آداب لغته القومية.
4ـ علومُ اللغة العربية من نحوٍ و بلاغة ، و آدابُ اللغة العربية بمنظومها و منثورها شارك في تکوينها و تدوينها علماء غير عرب مشارکة ًعظيمة، بعد أن خرجت العربية من الإطار القومي لتُصبح لغةَ الأمةِ الإسلامية، وجدير بنا أن نواصل جهودَ السلف الصالح کي نقضي على تحجيم لغة القرآن في إطار قومي ضيق.
5 ـ إنّ العالم الإسلامي يشهد صحوةً إسلامية جبّارة تبدو فيها مظاهر العودة إلى ذاته، و إلى استعادة عزّته المسلوبة و کرامته المنتَهَکة.
و هذه الصحوة تتطلب ترابطَ الشعوبِ الإسلامية، وعلماء المسلمين، والبلدان ِالاسلامية. کما تتطلب نموَّ التعاون السياسي والاقتصادي والثقافي بين الدول الإسلامية. و لا شكَّ أن العرب والناطقين بالعربية يشکلون ثِقلاً کبيراً في ميزان هذه الأمّة، واللغة العربية تستطيع أن تنهض بدور کبير في تنامي هذه الصحوة و في تقوية أواصرالتعاون والتفاهم بين المسلمين خاصة بعد إسقاط طغاة كانوا يعارضون الوحدة الإسلامية.
6ـ لکل بلد من بلدان العالم الاسلامي مصالح مشترکة سياسة واقتصادية وأمنية مع العالم العربي، فضلا عن المشترکات الدينية والثقافية. و هذه المصالح المشترکة تفرض وجود علاقات متبادلة مع العالم العربي ، و کلما توثقت هذه العلاقات أکثر، ازداد استتباب الأمن وانتشار الرفاه واتساع التنمية في بلدان المنطقة، کما تزداد قدرة هذه البلدان على صيانة خيراتها وثرواتها وعلى الوقوف بوجه مطامع القوى الأجنبية. و لا شك أنّ اللغة َ العربيةَ تستطيع أن تقوّي الأواصر بين أجزاء العالم الإسلامي .
7ـ اللغةُ العربية لغةُ تراثٍ إنساني خالد
ودُوَّنت فيها مختلف العلوم منذ 14 قرنا، و نقلت إليها المعارف البشرية من مختلف اللغات، وقلّما توجدُ على ظهر الأرض لغةٌ بهذا الکمّ التراثيِ العريق، ولذلك عکف المستشرقون على اکتشاف کنوزِ هذا التراث، و بذلوا جهودا جبارة في إحيائه ونفض الغبار عنه. لا نريد أن نتحدّث عن دوافعهم ، ولکن نريد أن نشير إلى الجهودِ العظيمة التي بذلها هؤلاء في حقل تعلّم اللغة العربية وتحقيق ِ مخطوطاتِ التراث و ترجمتها إلى مختلف اللغات الأوربية، و تدوين دراسات موسَّعة، ودائرةِ معارف ضخمة في مختلف مسائل الإسلام والمسلمين. و إذا کان المستشرقون يبلغون هذه الدرجةَ من الاهتمام بالتراث الإسلامي العربي فمن الأولى أن يهتمّ به المسلمون أنفسهم .
8ـ اللغة العربية لغة عالمية حيّة:
تعتبر اللغة العربية اليوم من اللغات الدولية الست المعترف بها من قبل منظمة الأمم المتحدة حيث يتکلم بها شعوب أکثر من 24 بلد إسلامي و هذا الأمر بالنسبة لنا الإيرانيين أهم حيث معظم هذه البلدان في منطقتنا و لدينا علاقات سياسية و اجتماعية و دينية واسعة معها بل لدينا حدود مشترکة مع بعض هذه الدول فعلينا أن نتعلم العربية لإقامة العلاقات.
9ـ إن العلاقات الاجتماعية و الدينية والاقتصادية بين إيران و البلدان العربية تقتضي تعلّم اللغة العربية من قبل الإيرانين للقيام بدورهم لإقامة هذه العلاقات ـ وما أکثرها ـ عبر الترجمة بأنواعها وتأليف الكتب و المقالات والعمل في الجو الافتراضي أي الإنترنت و القنوات الفضائية و...
10ـ إنّ سوق العمل المتوفرة لطلاب اللغة العربية في إيران أکثر بكثير بالنسبة لبعض الفروع الجامعية الأخرى
حيث يمکن لهولاء الطلاب أن يشتغلوا بعد تعلّم اللغة العربية وإتقانها في المنظمات الحکومة والخاصة العديدة التي تحتاج إلى مثل هولاء للتواصل مع البلدان العربية و في مكاتب الترجمة التي بحاجة ماسة إلى مترجمين يترجمون لهم من الفارسية إلى العربية أو من العربية إلى الفارسية وكذلك يمكن لمتخرجي فرع اللغة العربية أن يشتغلوا في الإذاعات و القنوات العربية التي تنشط في إيران و هي تحتاج إلى مذيعين و مراسلين و مترجمين و... يتقنون اللغة العربية، كما يمكن للذين يواصلون دراستهم و يحصلون على شهادات الماجستير و الدكتوراه في اللغة العربية أن يشتغلوا كأساتذة في الجامعات العديدة التي تدرّس اللغة العربية و فروع تحتاج إلى أساتذة للعربية منها اللغة الفارسية و الشريعة الإسلامية و الفلسفة و التاريخ و الحقوق أو يشتغلوا كمدرسين لهذا اللغة في المدارس المتوسطة و الثانويات.
كتبه الدكتور محمد علي آذرشب ( بتصرف وإضافات للدكتور علي الضيغمي)